ضابط: عثرنا على 12 شاباً يعذبون وجثة فتاة تعرضت للتنكيل
نقلا عن المصدر أونلاين
كشفت حالات التعذيب التي تعرض لها عشرات من شباب الثورة في حي القاع اثناء
مشاركتهم في مسيرة الورود الثلاثاء قبل الماضي عن واحدة من أبشع صفحات
نظام صالح وأكثرها سادية ووحشية.
تحولت الأزقة الى بوابات جحيم كانت تبتلع الشباب لتسلمهم الى يد مجاميع من عتاولة الإجرام والتعذيب الذين كانوا هناك في انتظار القيام بمهمة سلخ كل من لا يزال يرغب في الهتاف برحيل صالح..
من خلال التفاصيل التي يقدمها شباب كانوا ضحايا لهذه المحرقة يمكن أحدنا الوصول الى قناعة بأن هذا المستوى من التعذيب يمكن أن يكون الأبشع من نوعه في تاريخ الأنظمة الاستبدادية في العالم .
سمعنا وقرأنا كثيرا عن سجون تابعة لأجهزة الأمن يتم فيها صعق المعتقلين بالعصي الكهربائية وتعذيبهم بأساليب شتى لكننا لم نسمع أو نقرأ مطلقا عن نظام خصص بيوتا لاستدراج المعتصمين وجهز فيها عصابات مزودة بالهراوات والخناجر والأسلحة النارية، لكننا لم نسمع انه تم تقطيع أجساد المختطفين بالخناجر ثم وضع عليها الفلفل الحار والبول بينما المعتقلون موثقون بالحبال لا يستطيعون الحركة.
في هذه المساحة يقدم «المصدر أونلاين» شهادات عدد من الشهود والضحايا الذين عاينوا وعاشوا لحظات رعب لم تكن تخطر ببال أحدهم..
ضابط قاد مجموعة لإنقاذ مختطفين:
تلقينا بلاغاً من بعض أهل القاع فداهمنا منزلا وجدنا فيه 12 شاباً يتعرضون لتعذيب بشع وجثة فتاة تعرضت للتنكيل
شريف مانع البليلي - ضابط برتبة ملازم أول - قائد المجموعة التي داهمت القاع مساء الثلاثاء الماضي لتحرير مجموعة من المختطفين يصف بذهول ما رآه من تعذيب وحشي يقول: لم نكن نتوقع أن بين أبناء جلدتنا من يقوم بمثل هذه الأعمال وأن في مجتمعنا اليمني أناس هكذا قد تجردوا من إنسانيتهم وقيمهم.
يسرد شريف المغامرة التي قام بها مع عدد من زملائه حين اتجهوا دون انتظار توجيهات من قيادتهم لتحرير مجموعة من الشباب المختطفين الذين كانوا يتعرضون لعملية تعذيب بشعة في أحد المنازل يقول: بعد ساعات من عودة المتظاهرين السلميين من باب القاع وما حدث لهم من اختطافات واعتقالات جاء إلينا مجموعة من المواطنين الذين يسكنون حي القاع وأبلغنا أن هناك أصوات أنين وتعذيب تصدر من داخل منزل شيخ تابع للنظام في باب القاع يعتقد أنها لشباب تم اختطافهم أثناء المسيرة، لم ندر ما الذي نفعله فلم نكن نملك أي أوامر بالتحرك او المداهمة، وكانت خدمتنا في ذلك اليوم جوار الجامعة القديمة يعني أقرب نقطة لحي القاع.
وأخبرنا أحدهم أنه وقت الاعتداء على المسيرة شاهد شخصاً فتح لهم الباب وأدخلهم المنزل وقال لهم أنه سيحميهم من الرصاص فدخل الشباب الى المنزل ليحتموا فيه وهذا ما جعله يتأكد أن المنزل قد تحول الى وكر لتعذيب الشباب المشاركين في المسيرة.
ويواصل شريف حديثه للمصدر أونلاين: «أشتطت غضباً أنا وزملائي من أفراد مجموعتي فقمنا بإرسال أحد أفراد المجموعة للتأكد من الخبر بعد أن غير زيه بزي مدني ورافقه أبناء الحي الشرفاء ممن أبلغونا وعاد ليؤكد الخبر، حينها لم يسعفني عقلي بالتفكير فقررت ومن معي من أفراد المجموعة وكان عددهم 23 فرداً بأن نداهم المنطقة وليحدث ما يحدث خاصة وأن أبناء الحي أبدوا استعداداً بالذهاب معنا ومشاركتنا ومساعدتنا إن احتجنا لذلك».
وبحسب شريف الذي يعمل ضمن قوات الفرقة الأولى مدرع التي تؤيد الثورة فقد تحرك مع مجموعته يتقدمهم أبناء الحي مشياً على الأقدام من جوار سور الجامعة القديمة وكانت الساعة حينها تشير إلى الثانية عشرة منتصف الليل وكان الجو مظلماً والهدوء يعم المكان «وصلنا إلى جوار منزل الشيخ وكانت هناك بقاله في العمارة التي يتواجد بها ذلك الشيخ اتجهت إلى البقالة وسألته ما إذا كان الشيخ متواجد في المنزل أم لا فرد بأن لا أحد في المنزل».
ويواصل حديثه «كان هناك أحد المرافقين التابعين للشيخ البلطجي يمر بجوار البقالة وعندما رآنا أنطلق مسرعاً نحو المنزل وفتح الباب ليدخل ويبلغهم بوجودنا إلا أن احد الأفراد الذين كانوا قد انتشروا حول المنزل وتمركزوا في الأماكن المحتمل حدوث مواجهة فيها تمكن من اللحاق والإمساك به وتثبيته ودخلنا المنزل من ذلك الباب وقمنا باقتحام المنزل وفي الصالة وجدنا منظر بشع ووحشية فضيعة ليست من جنس البشر ولا يمارسها حتى الوحوش».
كان الضابط تبدو عليه علامات التوتر والاشمئزاز وهو يصف المشهد الذي واجهه فور دخوله المنزل «رأينا 12 شاباً مقيدين ومكتفي الأيدي والأرجل وعليهم آثار تعذيب والدماء تسيل منهم ومنهم من كان فاقداً للوعي من شدة الألم والتعذيب وهناك رائحة غريبة وقذرة في المكان اكتشفنا فيما بعد أنها رائحة البول الذي كان يصب على رؤوس الشباب وجروحهم، وأخبرنا فيما بعد الشباب أن البلاطجة المكلفين بعملية التعذيب كانوا يجرحونهم بالسكاكين حتى يسيل الدم ثم يقومون برش الفلفل الحار على تلك الجراح ليزيد ألمها وبعد ذلك يقومون بالتبول على تلك الجراح ليتضاعف الألم».
يقول ان العصابة المكونة من سبعه أفراد لم يكونوا يتوقعون ان يداهمهم أحد فهم يمارسون مهمتهم باطمئنان الى أن القوات الموالية لصالح تحميهم وأن أحدا لا يعلم بالمكان ناهيك عن إمكانية أن يصل اليه وبالتالي فقد كانوا منشغلين بممارسة التعذيب بحق الشباب «فقمنا بتثبيتهم وإيقافهم وتوجيه السلاح إلى رؤوسهم وأمرناهم بأن يلقوا أسلحتهم إن أرادوا الحياة فاستجابوا دون أية مقاومة ورأينا في وجوههم وأعينهم خوفاً شديد».
وبحسب الضابط شريف فإنه ومجموعته قاموا بفك الحبال التي وثق بها الشباب وأتجه بعض زملائه لتمشيط بقية المنزل وأتجه آخرون لإلقاء القبض على صاحب تلك البقالة بعد ان تأكدوا من الشباب المختطفين أنه كان مشاركا في عملية استدراجهم الى ذلك المنزل وتم إلقاء القبض عليه ويضيف «عندما أرتفع الضجيج خرج ذلك المعتوه من يسمونه الشيخ من إحدى الغرف وبجواره ثلاث نساء فقمنا بإلقاء القبض عليه واتجهت بقية المجموعة لتكمل تطهير المنزل فوجدنا السطوح خاوية من الأفراد لكن عليها أسلحة خفيفة ومتارس يبدو انها كانت لمهاجمة المسيرة اثناء مرورها من المنطقة».
الضابط الذي تتوزع مشاعره بين الحزن والألم على ما تعرض له الشباب وبين الزهو بتنفيذ مهمتهم بنجاح كامل في تخليص الشباب من قبضة الوحوش وتخليص المجتمع من شر هذه العصابة المتوحشة، كان يبدو متشبعا بتفاصيل هذه القصة المثيرة يقول: «عدنا إلى الأسفل وقمنا بأخذ بطائقهم الشخصية وتجريدهم من أسلحتهم وعثرنا على بطاقة أمن سياسي مع أحدهم وكان لديه جهاز لا سلكي كما عثرنا في المنزل على العديد من الأجهزة اللا سلكية والعديد من قطع السلاح الحفيف مثل الكلاشنكوف والبنادق والأسلحة الشخصية أكملنا تمشيط الداخل ولم تواجهنا أي مشاكل فهم لم يكونوا متوقعين مداهمة مثل هذه لأنهم في مهمة رسمية من قبل قيادة جهاز البلطجة الذي وكله صالح بالتنكيل بكل شباب الثورة.
ويشير الى أنه وزملاءه في ذلك اليوم وقبل الحادثة تلقوا أوامر بعدم مرافقة المسيرة أو إطلاق النار على أي من بلاطجة النظام أو الجيش العائلي مهما حدث حتى لو رأوا المسيرة تتعرض لإطلاق النار وقال ان ذلك من أجل الحفاظ على سلمية المسيرة.
ويضيف للمصدر أونلاين: «وتلقينا نفس الطلب من لجنة النظام التابعة للساحة بعدم إطلاق النار في أي حال من الأحوال وعدم مرافقة المسيرة أو الاشتباك مع من يعتدي على المسيرة للحفاظ على سلميتها فطبقنا الأوامر، وكنا نقوم بتنظيم حركة السير في الشارع للسيارات والمارة ولا نتدخل في المسيرة أو نرافقها واثناء إطلاق النار والاعتداء على المسيرة كان العديد من أفراد الفرقة يريدون الذهاب للدفاع عن شباب الثورة السلميين وحمايتهم لكن الأوامر كانت صارمة بعدم التحرك حرصاً على عدم سفك الدماء».
ما وجدوه بداخل المنزل لم يكن كل المشهد فالمكان بكل تفاصيله وزواياه عبارة عن وكر نثرت فيه الوحوش البشرية بشاعاتها يقول شريف بعد برهة صمت كان يبحث خلالها على ما يبدو عن عبارات وألفاظ قادرة على إيصال الصورة: «بعد أن أكملنا تمشيط المنزل من الداخل والسطوح اتجهنا لتمشيط حوش المنزل ووجدنا العجب، وجدنا بشاعة حقيقية يصعب تصديق أن بني البشر قد يقومون بمثل هكذا بشاعات وأن في مجتمعنا اليمني أناس هكذا قد تجردوا من إنسانيتهم وقيمهم وأخلاقهم، وجدنا جثة امرأة ملقية على أرضية حوش المنزل والدماء تملأ المكان من حولها تقدمنا نحوها فإذا فتاة يبدو أنها في العشرينات من العمر قد بقرت بطنها وأخرجت أمعاؤها وقسمت بطنها إلى نصفين وقص جزء من شعرها وعليها آثار تعذيب فضيعة فقد رأينا الدماء في عيونها ورأسها وأنفها وفمها وأثار كدمات وضربات على أطرافها ووجهها، ذهلنا من هول ما رأينا فقمنا على الفور بأخذ من قمنا بإلقاء القبض عليهم وكذلك الشباب الذين كانوا معتقلين وقام أبناء الحي بمساعدتنا وحمل الشباب الذين لم يتمكنوا من السير أو الوقوف وقام مجموعة من الشباب برفع جثة الفتاة على نقالة واتجهنا إلى الموقع وأبلغنا القيادة بالعملية ووصلنا دون أن يعترضنا أو يشعر بنا أحد، جاءت سيارات الإسعاف التابعة لقيادة الفرقة وقامت بأخذ جثة الفتاة إلى مستشفى جامعة العلوم وإسعاف الشباب الذين كانوا بحاجة لإسعاف».
وبعد القبض على العصابة وشيخها يقول الملازم شريف انه وزملاءه اتجهوا الى مقر قيادة الفرقة وبصحبتهم عصابة التعذيب وشيخها لتسليمهم الى الضابط المناوب، ويضيف: «فقامت القيادة بإحالتنا للتحقيق لخروجنا عن الأمر وتركنا مكان الخدمة والذهاب في مهمة بدون علم القيادة إلا أنهم عندما علموا بالقصة أعفونا من التحقيق وأطلقوا سراحنا».
أحد أبناء الحي: سمعنا أصوات أنين وصراخ عرفنا أن هناك تعذيب لشباب مختطفين
التقى «المصدر أونلاين» أحد المواطنين من أبناء حي القاع رفض الكشف عن أسمه خوفاً على نفسه قال: «كنا نسمع أصوات أنين وصراخ عرفنا أنه تعذيب من منزل هذا الشيخ الساكن في حارتنا والتابع لنظام الإجرام فاحترنا ماذا نصنع وجاءني أحد الجيران واشتكى لي من نفس الأمر فقررنا أن يذهب أحدنا إلى الساحة لإبلاغ جيش الثورة والثوار ويبقى الآخر يراقب المكان ونفذنا ذلك حيث ذهبت إلى جوار الجامعة القديم والتقيت بأول نقطة للفرقة وأبلغتهم الأمر وبالفعل تجاوبوا معنا وتمكنوا من انقاذ مجموعة من الشباب».
أحد المختطفين – طلب عدم ذكر اسمه خوفا على حياته - التقاه «المصدر أونلاين» لتستمع لشهادته عن الساعات التي قضاها تحت التعذيب، وهو ضمن المجموعة التي تمكنت قوات الفرقة من تحريرها من أحد المنازل في القاع قال: «مارسوا علينا أبشع أنواع التعذيب وأشد العقاب ضربونا بأعقاب البنادق، طعنونا بآلات حادة وكانوا يصبون على الجراح الفلفل الحار «البسباس الحيمي»، ثم يقومون بالتبول علينا ورش الجراح بالبول، ضربونا بالهراوات والعصي ركلونا بالجزمات» لم يتمالك نفسه وهو يتذكر اللحظات التي عاشها كما لم تسعفه كبرياؤه الى اخفاء الدموع التي فاضت بها عيناه حالو لملمة قصته ليختتمها بتوجيه الشكر «لكل أفراد الفريق الذي قام بإنقاذنا من عبدة الطواغيت وعصابة الإجرام».
أحد المختطفين: كانوا يقطعون جلودنا بالجنابي حتى يسيل الدم ثم يضعوا على الجراح الفلفل الحار
محمد هادي ياسر أحد الشباب الذين كانوا مختطفين في أحد المنازل لم نتمكن من لقائه لكنا أتصلنا به هاتفياً بعد ان عثرنا على رقم هاتفه وكان قد سافر إلى تعز يتحدث قائلاً: كنا نسير في المسيرة السلمية وفق المسار المحدد لنا مسبقاً وفور وصولنا إلى باب القاع تم إيقاف المسيرة والاعتداء عليها ولأن إطلاق النار كان كثيف وموجه إلى المسيرة مباشرةً اتجه الشباب إلى الأطراف والشوارع الفرعية واندفع بعضهم للأمام وتشتتت الأفكار ولم تسعفنا عقولنا بحل ومخرج فاحتميت جوار بوابة أحد المنازل فتقدم نحوي صاحب البقالة المجاورة وقرع باب المنزل وفتح أحد الأشخاص الباب وقال لي أدخل هنا بسرعة، وبغباء شديد دخلت دون أدنى تفكير، وكنت أظن أن صاحب البيت ملك أرسله الله لي من السماء، ولكني غيرت وجهة نظري بمجرد دخولي فقد قام الشخص الذي فتح لي الباب بركلي وضربي بهراوة كانت مخبأة في يده اليسرى على رأسي من الخلف، وقام آخرون كانوا يقفون بالداخل بربطي وتكتيفي ورموا بي جوار سبعة من الشباب كانوا قد قيدوا قبلي وتم المجيء بأربعة آخرين ووضعهم معنا، وقاموا بممارسة أبشع أنواع التعذيب ضربونا بالعصي والهراوات وأعقاب البنادق».
يقول : كانوا يتلذذون بتعذيبنا يقطعون جلودنا بالجنابي حتى يسيل الدم ثم يضعوا على الجراح الفلفل الحار، ضربونا على وجوهنا بأحذيتهم وركلونا بالجزمات، كانوا يتبولون علينا ويصبوا البول على الجروح وعلى الرؤوس، هددونا بتقطيع أطرافنا بالفؤوس لولا وصول مجموعة من الجنود في منتصف الليل هم الذين انقذونا.
في مواجهة الجنابي والفؤوس
صلاح قائد - أحد الشباب الذين شاركوا في المسيرة وتعرضوا للاختطاف والتعذيب في القاع- يقول: «كنا في المسيرة وبعد ان تعرضنا للمهاجمة بالغاز وبالرصاص الحي دخلنا الحارات لنجد انفسنا محاصرين من جميع الاتجاهات، تم اعتقال البعض إلى داخل البيوت والبعض تم بطحهم في الشارع وطعنهم بالجنابي والفؤوس، وبالتهديد بالسلاح تم أخذ بعض الشباب المبطوحين في الارض وذبحهم بالجنابي».
يقول صلاح: «الجرحى كانوا بالعشرات ولم يتركوا أحداً يسعفهم وقد اعتقلوا الكثير حتى من الجرحى، قسمونا إلى مجموعات وقاموا بتعذيبنا وتم ضربنا بالحديد»، ويشير صلاح الى أنه شارك في تعذيبهم أفراد يرتدون زي الأمن المركزي والحرس الجمهوري وآخرون من أهالي حي القاع، وكان أغلب الضرب على الرأس، كانت تضربنا مجموعة ثم تسلمنا للمجموعة الأخرى لتأخذ دورها في التلذذ بتعذيبنا، وقاموا برش الفلفل الحار على عيوننا».
فرق التعذيب كانت حريصة على أن تأخذ تكاليف ما قامت به من جيوب الشباب المختطفين يواصل صلاح سرد شهادته على رحلة التعذيب التي تعرض لها: «سلبونا ما كان في جيوبنا التلفونات والزلط والبطائق».
أما حمود الحقب أحد الشباب المعتقلين في مسيرة التي أطلق عليها اسم «مسيرة الورود» فيقول للمصدر أونلاين: «كنت في مؤخرة المسيرة ضمن اللجنة الأمنية - حزام أمني أمام الأمن المركزي- فتم إطلاق النار على مقدمة المسيرة من قبل البلاطجة والأمن اعتدوا علينا من الخلف، فبدأنا في التراجع إلى الحارات والمحلات المجاورة، كنت برفقة عشرة شباب ذهبنا إلى مطعم سلته، مكثنا داخل المطعم وما هي إلا دقائق واقتحمت قوات الأمن المركزي المطعم وكسروا الباب وباشروا الاعتداء علينا بالضرب بأعقاب البنادق والهراوات واعتدوا علينا باللطم والسب واستمروا في ضربنا وهم يقتادونا ولم نكن ندري إلى أين يأخذوننا لكنهم أوصلونا إلى قسم شرطة العلفي حيث قام أحد الضباط بضربنا بوحشية وشراسة غير مسبوقة وقال لنا: «لا احد يطلع كلمة واحدة أو يتنفس» وشتمنا بكل ما اسعفته به ذاكرته من شتائم، وصادروا تلفوناتنا وكل ما وجدوه بجيوبنا من فلوس وأوراق.
يجاهد حمود نفسه ليحافظ على قوته وهو يروي ما بات يشعر انه ملحمة بطولية خاضها وخرج منها بأعجوبة ويواصل حديثه: «بعدها أخرجونا واتجهوا بنا صوب سيارة تابعة للأمن القومي طلعونا فوق السيارة ثم انطلقوا بنا إلى جولة عصر ونزلونا هناك وهددونا بقطع رؤوسنا وأعناقنا إذا خرجنا مسيرة أخرى ثم تركونا هناك بعد أن أخذوا لنا صوراً بكامراتهم ثم تركونا هناك وغادروا، فعدنا إلى الساحة»، قال حمود عبارته الأخيرة بنبرة فيها تحدي واعتزاز وأضاف «لن يخيفونا فنحن على استعداد بأن نضحي بأرواحنا من أجل الوطن».
شاب آخر فضل عدم ذكر اسمه يقول : «كنت في آخر المسيرة فلما دخلنا شارع التوفيق وكنا على وشك الوصول إلى الحديقة فوجئنا بإطلاق نار كثيف فسقط منا الجرحى فرجعنا وتفاجئنا برصاص من الجانب الآخر فدخلنا زقاق ضيق ونحن أكثر من 500 شخص وليس له مخرج واذ بقنابل مسيلة للدموع، والبسباس الحار يلقى علينا من على تلك البيوت، وبعدها جاء الأمن المركزي وسد منفذ الخروج وضربوا المعتصمين بالبنادق والصمل و أعتقلوا من استطاعوا الإمساك بهم لكن لأننا كثيرون استطاعت مجموعة كبيرة أن تخرج بالقوة.
وافاد بانه كان في الثلث الاخير في المسيرة وعند وصولها الى منطقة القاع مقابل الحديقة كان هناك الكثير من المسلحين الذين يرتدون الزي المدني وآخرون يرتدون زي الأمن المركزي ومرت المسيرة الى الثلث الاخير منها وحصل اطلاق نار كثيف «فدخلنا أزقة الحارات وكذا عمارة سمراء عدن وكان المسلحون متواجدين في فتحات الحارات يسمحون بدخول أعداد قليلة من المتظاهرين ويحاصروهم ويضربوهم، وبعدها خرجنا من العمارة، وشاهدت أشخاص يخرجوا من البيوت بالخناجر والهراوات والجنابي وسمعنا إطلاق رصاص من الازقة وسقط جرحى لم نتمكن من إسعافهم وقاموا بأخذهم وإدخالهم البيوت».
متظاهرات عرضه للاختطاف رغم إصابتهن
يقول هيثم محمد الذيب في شهادته عن الاختطافات التي تعرض لها شباب وفتيات شاركوا في مسيرة الورود التي مرت بالقاع: «عندما كنت في القاع وكنت جنب الحديقة في البوابة احرس مجموعة من الناس مع زملائي كان البلاطجة يؤشرون للنساء بالمجيئ إليهم وكنا نقول لهن لا، أثناء ذلك كنا نرمي عليهم بالورود فقاموا بإطلاق الرصاص في الهواء وباشروا بإطلاق الغاز أيضاً فتفرق الشباب وأصيب مجموعة من النساء بالغاز وأنا شخصيا قمت بإسعاف أثنتين من النساء المصابات بالغاز إلى سيارة الإسعاف بعد ذلك عدنا لإسعاف الأخريات المصابات فقالت لنا أخريات أن أربع من النساء تم اختطافهن من قبل أشخاص يرتدون زي مدني.
فتيات ضحايا وشهود
الفتيات اللاتي أصررن على الخروج في المسيرة هن الآن يدلين بشهاداتهن على المسيرة التي تحولت الى واحدة من أبشع وقائع التعذيب الجماعي التي نفذها نظام صالح في أيامه الأخيرة، مشاركة في المسيرة رمزت لاسمها بـ (ل ع م ) هكذا دونته في ملف فتحته منظمة هود لتوثيق جرائم نظام صالح بحق المتظاهرين السلميين تقول: «خرجنا من الساحة الساعة العاشرة صباحا وعند مرورنا بشارع القاع وصلنا الى الحديقة وشاهدنا ناس مدنيين وآخرين بزي أمن مركزي حيونا أول ما وصلنا وبعدها فجأة بدأوا يطلقون النار وأطلقوا فوقنا قنابل غازية، ورأيت جريح فقط عندما كان يحاول يحمينا ورأيت بنت سقطت مصابة بالغاز وأحد الشباب اراد ان يأخذها فضربوه واختطفوا البنت وكان بجواري أبرار المطري وسعاد الريمي.
أخرى رمزت لاسمها بـ(أ م ع) قالت في شهادتها الموثقة لدى منظمة هود «خرجنا من الساحة الساعة العاشرة صباحاً وصلنا القاع وكنا نهتف سلمية وكانوا يحيوا بنا وبعد ذلك فجأة تم إطلاق النار من قبل الامن المركزي وكان بعض الشباب يحموننا، وكانوا يطلقوا علينا الغاز ورأيت جرحى بالرصاص بحدود خمسة عشر شاب وكنا نسمع إطلاق نار من سلاح ثقيل والصوت قوي جداً وكنت انا واشراق ولميس الجنيد وسعاد الريمي».
شاب يمد يده لمصافحة قناص
ايضا التقى «المصدر أونلاين» احد سكان حي القاع الذين راقبوا المسيرة أثناء مرورها واكتفى بإيراد اسمه الأول «أحمد» يقول: كانت المسيرة تمر بسلام والشباب يهتفون سلمية .. سلمية وكان المسلحون بالزي المدني قد تمترسوا وأعدوا العدة وكأنهم قادمون على معركة.
يقول أحمد يومها كانت الصورة التي في أذهاننا عن شباب الثورة مشوشة فقد صور لنا الإعلام الرسمي شباب الساحات على إنهم إرهابيون ودعاة فتنة وقتلة ووو.... لكنا فوجئنا بالعكس ووجدنا صورة مغايرة تماماً أذهلنا من ذلك المنظر.
وفي حوالي الساعة الحادية عشر وأربع دقائق من صباح الثلاثاء وأثناء مرور المسيرة السلمية بمنطقة القاع قام عدد من الأفراد المسلحين بزي مدني كانوا قد تمركزوا وانتشروا في المنطقة والحديقة من الليلة السابقة.
كان القناص يصوب رصاصاته على رؤوس الشباب وهم يهتفون سلمية رأينا حامل البندقية يطلق الرصاص صوب الشباب وهم يتقدمون نحوه ويهتفون «لم نخرج إلا لأجلكم ما خرجنا إلا لمستقبل أولادكم» أحد الشباب تقدم من أحد القناصة ومد يده يصافحه وهو يطلق النار فنظر إليه القناص باستغراب وأشار إليه أن يبتعد وعاد الشاب لكن القناص أخد سلاحه وأبتعد جرياً فلم يكن يعلم بأخلاق شباب الساحات.
(ع م ح) أحد سكان الحي وشاهد على المجزرة رفض الكشف عن أسمه خوفاً على حياته يقول في حديثه للمصدر أونلاين «يومها كنت عائداً مع أسرتي من عيادة نسائية وصادفتنا المسيرة في طريقنا وقفنا على حافة الرصيف كغيرنا يومها لم نكن مقتنعين بفكرة المسيرات والساحة والثورة فقد كنا نعيش بعيداً عن الحقيقة، وقفنا نتأمل المسيرة نبحث عن المسلحين الذين لطالما سمعنا عنهم في الإعلام الرسمي وقفنا لنرى تنظيم القاعدة الذي تحدث عنه صالح في خطابه حين قال من أراد أن ينظر إلى تنظيم القاعدة والإرهاب فلينظر إلى ساحة الجامعة وشباب الجامعة فقالت لي زوجتي يومها خلينا نشوف كيف يجي شكلهم وكنت حينها أخشى أن يقوموا بقتلنا فقلت لها مابش داعي خلينا نروح لكنها أصرت وبقينا نظرنا إليهم وهم يمرون بجوارنا قال كنا نعتقد أنا سنسمع سب وشتم كنا نعتقد أنا سنرى في المسيرة قذائف الآر بي جي والبنادق والقناصة لكنا رأينا شباب عزل يرمون علينا الورود ويهتفون لنا بأحسن الكلام وكلهم يبتسم ويلوحون لنا يومها والله لم أتمكن من الكلام فالصورة مغايرة تماماً للصورة التي رسمت في أذهاننا، يومها زوجتي والله بكت وما دريت إلا وهي ترفع يدها تلوح لهم تقول لي بصوت يملؤه الذهول «مش قالوا انهم الا مسلحين»، كان بيدها كيس جعاله لطفلينا في المنزل القت به نحو المتظاهرين.
لكن وخلال دقائق قام مسلحون كانوا يتمركزون في أطراف شوارع فرعية وأسطح بعض العمارات والمنازل وآخرون في الحديقة بإطلاق النار على المسيرة وعلى الشباب العزل والشباب يهتفون «يا للعار سلمية تضرب بالنار»، خفت على زوجتي التي كانت منهارة تماما بعد ان شاهدت اطلاق النار وحاولت الهروب بها من المكان.
«البسباس» سلاح جديد لمواجهة المتظاهرين
أما رؤوف عبدالحق سلام يقول رأيت مواطنين من أبناء الحي يقومون بضرب كل من هرب نحوهم ورأيت قناصة يطلقون النار صوب الشباب ورأيت نساء من المنازل ترمي الفلفل الحار على المسيرة من منازل متعددة كان يتمركز عليها مسلحون وفق عملية بدت منظمة ومعدة سلفاً.
حسنى الموفق إحدى ساكنات حي القاع تقول «مانيش خايفة وانشروا اسمي رأيت بعيني شباب يختطفون ويدخلون إلى أحد المنازل بالقوة وبعضهم كان يعاني من جروح بالرصاص ورأيت بعيني مسلحين يطلقون النار باتجاه المسيرة مباشرةً ولم يكونوا من أبناء الحي فقد أتوا بهم من خارج الحي لا ندري من أين» وتضيف : رأيت الفلفل الحار «البسباس الحيمي» يرش على الشباب ورأيت نساء شاركن في المسيرة كن يحاولن اللجوء نحو أحد المنازل للاحتماء بداخله لكن تم الاعتداء عليهن بالرجم والمطاردة ولا أدري هل خطفن أم ماذا فنافذة البيت لم تكن تطل على الشارع الآخر ورأيت ناس من أبناء الحي كانوا يحملون عصي ربط على طرفها خناجر حادة وكانوا يطعنوا الشباب بها».
محامي في «هود»: عشرات المعتقلين في أقسام الشرطة
وفي تصريح خاص للمصدر أونلاين قال المحامي أحمد ناصر الرحابي وهو ناشط حقوقي في منظمة هود قال: «من خلال متابعتنا ورصدنا للأحداث الأخيرة تلقينا المئات من البلاغات حول اختطافات وإخفاء قسري للشباب وشهادات حول الاستخدام المفرط للعنف في أغلب المسيرات إن لم يكن كلها».
ويضيف: «أيضاً من خلال زيارتنا للكثير من أقسام الشرطة وجدنا عشرات المعتقلين منذ أسابيع دون أن يتم التحقيق معهم أو توجيه أي تهمة لهم أو إحالتهم للنيابة العامة»، وأشار الى أن هناك العديد من الأطفال المختطفين في السجون التابعة للنظام ولم يتم الإفراج عنهم ويتم تعذيبهم ببشاعة، ويقول أنه ومن خلال زيارتهم – يقصد فريق هود - لأحد السجون وجدناهم في أسوأ حال فقد تم قطع الماء عنهم منذ أربعة أيام وأن هناك من المختطفين من لديهم أوامر بالإفراج عنهم من قبل النائب العام لكن مختطفيهم ومعتقليهم يرفضون ذلك ولا يطبقون الأوامر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق