(سعداء بزيارتكم)

11 أغسطس 2011

رمضان في سقطرى.. فاعلية المواطنين تتغلب على أزمات طاحنة

المصدر أونلاين




يعيش سكان أرخبيل سقطرى اليمني شهر رمضان هذا العام في ظروف أقل سوءاً من الأعوام الماضية رغم حلول الشهر الفضيل مع بدء موسم الرياح حيث تنقطع الجزيرة الساحرة عن اليابسة لعدة أشهر.

وأدى شباب الثورة في سقطرى المطالبين بإسقاط نظام الرئيس علي عبدالله صالح دوراً هاماً في الضغط على المسؤولين للعمل على استقرار أسعار السلع والمحروقات والتيار الكهربائي خلال هذا الموسم.

ويحتفظ سكان الجزيرة بخصوصيات ثقافية واجتماعية خلال شهر رمضان، غير أن كثيراً منها بدأت تختفي، كالمسحراتي مثلاً، وهو شخص نذر نفسه للقيام بمهام إيقاظ أبناء القرية حتى لا يفوتهم موعد تناول طعام السحور قبل صلاة الفجر.

وتحتفظ الجزيرة البديعة التي تحوي كنوزاً طبيعية زاخرة؛ بتاريخ عريق، فقد كانت مدينة حديبو عاصمة للدولة العفرارية الممتدة إلى محافظة المهرة، وانتهى حكم الدولة مع استقلال جنوب اليمن عام 1967.

وتقع جزيرة سقطرى في بحر العرب جنوب شبة الجزيرة العربية قبالة ساحل المهرة وتبعد عنها بحوالي 380 كم. يبلغ طول الجزيرة تقريباً 135 كيلو متر وعرضها 42 كيلو متر، وتبلغ مساحتها 3650 كم2. وتتبع الجزيرة الأم أربع جزر مكونة أرخبيل سقطرى. تهب على الأرخبيل رياح موسمية جنوبية غربية تستمر لأربعة أشهر ابتداء من يونيو إلى سبتمبر وتتراوح سرعها من 40 إلى 55 عقدة. ويبلغ عدد سكان الأرخبيل 44120 نسمة بحسب تعداد 2004م.

رمضان في سقطرى
تختلف العادات والتقاليد في رمضان من منطقة إلى أخرى، ففي سقطرى يحكي محمد عبدالله صعباب، وهو شيخ ثمانيني، عن بعض العادات القديمة، فقد كانوا يستقبلون رمضان بالأهازيج والأناشيد على دقات المولد بقولهم «أهلاً أهلاً يا رمضان.. شهر العبادة والغفران» ويجولون الأزقة والشوارع. وتتجهز كل أسرة لهذا الشهر الفضيل حيث يقوم رب الأسرة بشراء الــ(سربد) وهو زير من الخزفيات دائري الشكل ذو فتحة كبيرة يوضع فيه ماء للشرب.

وعن معرفة بداية الشهر، يقول صعباب لـ«المصدر أونلاين»: «كنا حتى وقت قريب لا نعتمد على التلفاز والراديو كما هو الحال الآن، بل وفق ما جاء في حديث النبي: صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته، فإن لم نرى الشهر نكمل شعبان ومن ثم نصوم وهكذا الإفطار».

وبيّن الشيخ صعباب أنهم كانوا بعكس هذه الأيام لا يصلون التراويح بعد صلاة العشاء مباشرة وإنما بعد منتصف الليل وهي عشرين ركعة، إضافة إلى ثلاث ركعات هي صلاة الوتر، حتى أن المسحراتي الذي يوقظ النائمين للتسحر لا يتعب في مهنته لأن الناس في الأغلب قائمين في المساجد وبعد الصلاة يتسحرون.

ويتحسر صعباب على المأكولات التي افتقدوها مند زمن بعيد فيقول «كنا نأكل طعام صحي لا يسبب آلام الركب ولا يأتي بهذه الأمراض التي نشهدها اليوم، فطعامنا التمر وعصيد الشعير وحبوب الذرة، ما تسمى بالسقطرية (مقداره) والدخن (بنبه) واللحوم والأسماك بالإضافة إلى السمن السقطري الذي كنا نصدره إلى بلدان عدة».

وفي العشر الأواخر من رمضان يتجهز الناس لما يسمى بالخواتم، فمن بداية شهر رمضان تجتهد كل أسرة أن تختم القرآن عدة مرات لتهبها إلى الأموات من الأقرباء، يقول الشيخ صعباب: «كان يطلب من كل فرد داخل الأسرة أن يختم القرآن خلال شهر رمضان ليوهبها إلى أمواته ومن لم يعرف القراءة يلتزم بالعتيقة»، والعتيقة هي أن يسبح الله ويحمده سبعين ألف مرة وتتم بعد مائة حصى إلى أن تبلغ سبعين ألفاً، وهي توهب إلى الأموات أيضاً.

وفي العشر الأواخر، وخاصة ليلة 27 رمضان، تتم مراسيم الخواتيم، ويأتي المعلم (الشيخ) ليتمم المراسيم وبجواره مجموعة كبيرة من المؤمين على دعائه، وتذبح الذبائح لهذا اليوم وهكذا في كل بيت.

وكما بدأ رمضان بالمولد وأهازيج الترحيب به، ينتهي أيضاً، «مودع مودع يا رمضان.. شهر العبادة والغفران».

الكهرباء مستقرة
تشهد الكهرباء في العاصمة حديبو استقراراً ملحوظاً وخاصة بعد الوقفة الاحتجاجية التي دعت إليها منسقية شباب الثورة إثر الانقطاعات المتواصلة وتقليص عدد ساعات التشغيل، فالكهرباء تعمل بمتوسط 16 ساعة يومياً وبشكل مستقر على عكس بعض المدن اليمنية ومنها العاصمة صنعاء التي وصل زمن انقطاع التيار الكهربائي بها إلى نحو 20 ساعة في اليوم.

يقول رمزي محروس وهو أحد شباب الثورة «قمنا بتشكيل لجنة لمتابعة الكهرباء وكانت هناك مشاكل بين مؤسسة الكهرباء ومورد الديزل، حيث طلبت مؤسسة العيسي من الكهرباء دفع ديون متعلقة بالديزل الخاص بالكهرباء، وقد قمنا بتقريب وجهات النظر وحل المشكلات التي تواجه الكهرباء بالتعاون مع الجهات المعنية في المؤسستين.. وحتى الآن الكهرباء مستقرة».

المواد الاستهلاكية
صادف رمضان هذه السنة موسم الرياح الذي يهب على أرخبيل سقطرى لأربعة أشهر متواصلة تبدأ من يونيو وتنتهي في سبتمبر، تنقطع خلاله الجزيرة عن أي تموين بحري من المحافظات اليمنية ما عدا الجوي الذي يسيطر على مدخلها الوحيد بأسعاره الخيالية.

العام الماضي سمى السقطريون موسم الرياح «بالخريف الأسود» لما صاحبه من أزمات في انقطاع الكهرباء والوقود وانعدام الغاز وارتفاع في أسعار المواد الغذائية.

وقفة احتجاجية أمام مبنى السلطة الحكومية بسقطرى
وخشي كثيرون مما حدث في العام الماضي، وخاصة أن رمضان هذه السنة صادف موسم الرياح الذي بدأت فيه الأسعار بالتزايد تدريجياً كالعادة، مما دعا شباب الثورة إلى وقفة احتجاجية طالبت الجهات المعنية بتثبيت الأسعار ووضع حد لهذا الارتفاع.

تجاوبت السلطة المحلية ممثلة بمديرها العام ومجلسها المحلي ومكتب الصناعة بعد ضغوط من الشباب. يقول رمزي محروس لـ«المصدر أونلاين»: «عند تعنتت السلطة قلنا لها بأننا سنغلق المكاتب الحكومية ونغلق أي مكتب لا يستجيب لمطالبنا، وعندها تجاوبوا معنا، وحينها تم تشكيل لجنة لمتابعة الأسعار برئاسة علي جمعان مندوب مكتب التجارة».

تواصلنا مع جمعان لنسأله عن الخطوات التي قامت بها اللجنة للحيلولة دون ارتفاع الأسعار. تحدث إلى «المصدر أونلاين» قائلاً: «في البداية قمنا بإحصاء الكميات الموجودة في السوق من المواد الغذائية وأخذنا تواقيع التجار وعملنا ضوابط للأسعار ووضعنا سعر مناسب لكل الطرفين التاجر والمستهلك».

وعن تجاوب التجار، يقول جمعان: «أثناء النزول إلى السوق كنا نطلب الحماية من الأمن وكان تجاوب التجار جيد معنا وحتى الآن هناك استقرار تام وخاصة للمواد الاستهلاكية الأساسية».

وقال رمزي محروس إننا مطمئنون من عدم وجود أي أزمة، وخاصة ونحن الآن في رمضان ولم نسمع بأي نقص في أي مادة.

المحروقات
في العام الماضي، لم يسلم المواطنون من انعدام المشتقات النفطية والغاز المنزلي، حتى إن رجال البيئة في سقطرى حذروا من القضاء على الغطاء النباتي والبيئة السقطرية بسبب الاحتطاب الجائر نظراً لانعدام مادة الغاز من محطة العيسي، وهو المستثمر الوحيد للمحروقات في سقطرى.

هذا العام بدا الحال أفضل من سابقيه، وتحول موسم الرياح من نقمة على سقطرى إلى نعمة حيث لم تحصل أي أزمة في المحروقات بالأرخبيل كما حدث بباقي مدن ومناطق اليمن.

وبقيت الأسعار مستقرة في الأرخبيل. حتى أن المواطنين تصدوا لمحاولة رفع أسعار البنزين في محطتي العيسي، وقاموا بإغلاق المحطتين بالأقفال ومنعوا البيع فيها، كما قام الأمن باحتجاز مدير المحطة حتى يتم تثبيت السعر السابق، وبعدها رضخت المؤسسة لرأي المواطنين، وحتى الآن يتم بيعه بالسعر السابق أي بـ1500 ريـال لدبة البنزين سعة عشرين لتراً.

وعن كمية الوقود المتبقية في المؤسسة يقول غانم خميس عضو مجلس سقطرى الأهلي- لجنة التموين – إن الكمية المتبقية من المحروقات كافية إلى ما بعد موسم الرياح. لكنه أبدى خشيته من عمليات التهريب إذا ما استمرت الأزمة في عموم اليمن.