اختطفوا جثته وعرضوها بقناة اليمن بصفته «شهيد الشرعية الدستورية»
لم تكن ليلة 25 أكتوبر الماضية عادية بالنسبة لصلاح وإيمان الطفلين الأصغر
سناً للشهيد الكهل محمد أحمد الجرادي، بيد أنها كانت ليلة انتصار يزعمه
قاتل والدهم، لكن على من انتصر والثورة لم تتوقف رغم ما حل بها، فهي ماضية
كما لم تكن من قبل تعري النظام الأبشع إجراماً في التاريخ اليمني؟
الثورة التي اُنتزع الخوف من قلوب أبنائها وتشبثت بسلميتها، ومضت ولا تزال بطريقة فريدة جوهرها الاستهزاء من النظام وساسته ومناصريه بحناجر جزّت وهي تغني حريةً باتت قاب قوسين أو أدنى.
محمد الجرادي هو الشهيد الكهل الذي سقط في مسيرة الثلاثاء في حي باب القاع واختطفت قوات النظام جثته، وأودعته بالمستشفى الجمهوري، وقاموا بتصويره، وإظهاره على وسائل الإعلام التابعة للنظام على أنه قتل على أيدي مليشيات، دون الإشارة إلى أنها تلك التي تدعي حماية النظام، والمنتقاة من مستنقع جريمة مكلّفة بخنق أهزوجة الكرامة وشلّ رقصة الشهادة، وإخراس الأصوات المنطلقة من حناجر بشرية هاتفة للحرية، ومطالبة باليمن الجديد.
الشهيد الجرادي من محافظة ذمار بمديرية عتمة قرية «القعد»، لديه 4 أبناء ذكور، إضافة إلى 9 إناث، 3 منهن يدرسن في جامعة صنعاء، منهن فوزية الطالبة بالمعهد الصحي «سنة ثالثة» والمتطوعة في المستشفى الميداني بساحة التغيير ويكفل إلى جانب أبنائه يتيمتين.
كان الشهيد الجرادي يعمل كسائق باص مستأجر (الحصبة -هائل) وما إن انطلقت الثورة حتى لازم جسده وروحه الساحة بصنعاء، ولم يتخلف عن مسيرة.
ويحدثنا أحد رفاقه قائلاً: «ظل محمد يحدثني بأنه أحد ركاب سفينة الحرية اليمنية الذين سيقدمون دماءهم لصياغة التاريخ اليمني، وانتشال وطن نبتت فوق جروحه حقول من الآمال، ولم يكن حديث الشهيد محمد مجرد حديث عابر بل كان حقيقة أثبتتها أيام الثورة».
زوجة الشهيد ووصية الوداع «إذا نلت الشهادة اليوم فأذهبي إلى ساحة التغيير وأطلقي الزغاريد، وشدي على أيدي شباب الثورة ومن على المنصة أثني عليهم عزمهم في مواصلة كفاحهم لنيل الحرية».. هذه هي الوصية التي تحدث بها الشهيد لزوجته سرية عائض الجرادي قبل خروجه المسيرة التي استشهد فيها.
تضيف زوجة الشهيد وعلى خديها الدموع: «محمد ذهب دون أن يصطبح بعد أن أوصاني وسلم لي بطائق الائتلاف الذي هو مسجل فيه، وقال يا بنت عمي سأموت اليوم، رديت عليه لمن ستتركنا؟! قال لله، هو من سيتكفل بكم وذهب من البيت صوب الساحة.
في الحادية والنصف ظهراً قالت سرية: سمعت صوت سيارات إسعاف تقدم إلى الساحة، فسارعت الاتصال بمحمد، فجاوبتني امرأة وقالت معك التحويلة من الأمن المركزي أنت غلطانة، فحدثت نفسي أني غلطت بالرقم استدعيت أحد الإخوة المارين في الشارع بأن يتصل لي على هذا الرقم، فردت عليه نفس المرأة من الأمن المركزي، فأيقنت أن محمد استشهد كما حدثني.
بعد ذلك بدقائق تفاجئنا وصورته تعرض في الفضائية، وقناة سبأ، وجابوا أطفال يبكوا عليه على أنه أبوهم قتلته قوات الفرقة. وهو ما أثار سخط أسرته وأقاربه الذين سارعوا إلى البحث عن جثته واستلامه عن طريق الأمن المركزي.
تختتم زوجة الشهيد حديثها بالقول «حزني الآن عميق بعمق حزن كل امرأة تفقد زوجها وعائل أبنائها الوحيد، لكني أحمد الله على كل حال».
ابنة الشهيد أميرة تقول: «والدي لم يترك مسيرة دون أن يكون في مقدمتها، وخروجه كان من أجل الشهادة، وقد كنت أروض نفسي على أن والدي سيستشهد لأن إصراره المستمر في الخروج في المسيرات جعلني أوقن بأنه سيكون شهيداً، وأنا فخورة أن والدي شهيد.
ابنة الشهيد: صالح قتل أبي
فوزية المتطوعة في المستشفى الميداني كانت تبدو غاضبة وفي يدها صحيفة الثورة الرسمية التي نشرت صورة والدها على أنه من سكان حي القاع وقتلته الفرقة، وأبدت انزعاجها من التمثيل بصورة والدها واختطافه بعد قتله وعرض صورته في الفضائية على أنه من «أنصار الشرعية». وتؤكد: «هذا ليس صحيح أبي كان حر ومن الثوار ومعتصم في ساحة التغيير، ولا يمكنه أن يؤيد السفاحين».
«ومن أراد الحقيقة عن مقتل والدي فليسألنا نحن بنات الشهيد.. الذي قتله هو علي عبدالله صالح».
وقالت «عرضوا على أخي فهد 2 مليون وسبعمائة ألف ليسمح بدفن والدي بالسبعين، وأن يظهر في الفضائية ويقول إن الفرقة قتلته».
وأردفت «أخذوا الخاتم من أصبع والدي بعد أن قتلوه وجهاز الجنبية».
وقد أكد فهد حديث أخته وقال «عرضوا علينا المبلغ لنكذب وهذا شيء لا نقبله».
أقرباء محمد يقصون حياته
يقول عنه قريبه فارع: كان رجلاً يقول ما يدور في خاطرة، وكثير الحديث عن الحرية، ومحبوباً جداً في أوساط الناس.
ويواصل زوج ابنته عزيز حميد الحديث عن عمه: «كان رجلاً كريماً جواداً ذا أخلاق عالية، لم يشتك منه شخص».
ويضيف عزيز: «كان عامل بسيط وعزيز النفس».
وخاطب عزيز علي صالح قائلاً: «نعدك بأن لا نتخذ النسيان كهفاً نلجأ إليه، ولن ننسى دماء شهدائنا وسنلاحقك ولن نتركك أبداً، ولك أن تفهم أننا شعب وأنت شخص».
يذكر أحد أقارب الشهيد قائد بن قائد استشهد في باب القاع في الثلاثاء الذي سبق استشهاده هو، وكان الاثنان في الستين من العمر، ويناضلان معاً، وكانا حريصان على نيل الشهادة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق