تقرير دولي يتهم أمريكا بالتستر على فشلها في اليمن وخوضها حرباً طويلة وغير اخلاقية تقودها إلى المجهول وتزيد من تعزيز قوة القاعدة
أتهم تقرير، نشر مؤخرا على موقع مركز دراسات دولي، الولايات المتحدة
الأمريكية بانتهاج سياسة متناقضة وغير واضحة في اليمن، من شأنها أن تزيد من
توسع القاعدة ومؤيديها في اليمن.
وتحت عنوان «حرب اليمن 'البسيطة' تخلف بصمة أمريكية كبيرة»، للكاتب جيمس جاندن (James Gundun)، نشر موقع «نشرة أوراسيا» (Eurasia Review) الدولي، أمس الخميس، تقريرا، تعرض فيه للاخطاء والتناقضات التي تقوم عليها الاستراتيجية في محاربة الإرهاب في اليمن.
وشن الكاتب، الذي عرف بأنه عالم سياسي ومتخصص في تحليل مكافحة التمرد، هجوما على السياسة الأمريكية في اليمن وتعاملها - بداية - مع الثورة وبقية الأحداث في اليمن بطريقة تعتيمية، لا تتناسب وحجم ما يحدث على أرض الواقع، وبحيث أنها لم تتوخى من ذلك سوى التركيز على محاربة الإرهاب، فيما تعمدت حجب الانهيار المؤقت لسياساتها عن الرأي العام.
وفي مقدمة تقريره المطول، لفت الكاتب إلى أن اليمنيين ظلوا طوال فترة ثورتهم يطالبون من المجتمع الدولي ووسائل الاعلام الغربية بأن يولوا ثورتهم قدرا أكبر من الاهتمام. ولكن «على ما يبدو تم نسيانها أو أغفلت وراء الموجة الثورية الأوسع التي تجتاح المنطقة»، مشيرا بهذا الصدد إلى أن اليمن ظلت تحتل مرتبة أدنى في صدارة الأخبار الأمريكية وحركة جوجل.
وهنا يذهب الكاتب للجزم بأن هذا التعتيم النسبي «لم يكن ضربة حظ عفوية ولكن نتيجة عرضية لعلاقة واشنطن المتقلبة مع علي عبدالله صالح، الرئيس اليمني المقال وحليف الولايات المتحدة في ظروف الطقس المناسبة».
وقال «وعن طريق ابقاء تركيزها في مكان آخر - أو على مكافحة الارهاب في اليمن - أعطت إدارة أوباما الصحفيين القليل من المعلومات للنشر وحجبت الانهيار المؤقت لسياسة الولايات المتحدة من الرأي العام».
وحتى مع أن التقرير أكد أن «الاضطرابات في اليمن هدأت منذ صعود نائب الرئيس السابق صالح منذ 17 عاما، عبدربه منصور هادي، الذي تحرص القوى الغربية الخليجية على الترويج له كمصلح..»، إلا أن التقرير أكد أيضا انه «ومع الترويج له المدعوم من الامم المتحدة بدأ الهجوم المدعوم امريكيا في المحافظات الجنوبية، الذي يهدف إلى إبطال الزخم الذي عززته القاعدة في شبه الجزيرة العربية (AQAP) خلال حملة القمع التي نفذها الرئيس صالح ضد الثورة، وما رافق ذلك من تمويه عبر الدعم الذي سبق من إدارة أوباما لرجل قوي متوحش». حسب وصف كاتب التقرير، الذي قال ايضا: «وكما لو أنها محصورة في الظل، أصبحت اليمن مسحوقة في تناقض محير حيث أحداث البلاد في تصاعد بينما يتم تناولها بسطحية في وسائل الاعلام الغربية».
وبخصوص الاستراتيجية الأمريكية في محاربة الإرهاب في اليمن، قال «وبينما كانت أهداف العمليات الامريكية أيضا تكشف تدريجيا قطعة تلو الأخرى وسط موجة من هجمات الطائرات بدون طيار ما أدى إلى عرقلة المؤامرات الارهابية، إلا أن هذه العمليات كانت فقط تقود إلى المجهول».
وفي هذا السياق استشهد التقرير بتصريحات وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا التي أطلقها في مايو الماضي، وأعترف فيها بالقول «نقوم بعمليات هناك»، مؤكدا «لقد كان اليمنيون في الحقيقة متعاونون جدا في العمليات التي نقوم بها هناك. وسوف نواصل العمل معهم لملاحقة الأعداء الذين يهددون الولايات المتحدة».
وعلى ضوء ذلك، استطرد التقرير، قائلا «ويدعي بانيتا بأن الولايات المتحدة لم تشارك في القتال لان القوات الامريكية لا تحارب على الأرض أو بمقابل الحكومة»، ليعتبر أن هذا الأسلوب النموذجي «الجديد» للحرب الذي تنتهجه واشنطن – عبر القوات الخاصة، وطائرات بدون طيار، وقوة النيران البحرية التي تشنها «بلا حروب» في منطقة معادية، ودون الحصول على موافقة من الكونغرس- في إطار الشبكة المكونة من الجيش اليمني والجيش الأمريكي والأصول الاستخباراتية، أعتبر أن هذا الأسلوب «لم يعد خافيا على المواطنين اليمنيين أو الأجانب».
ومع ذلك – يقول التقرير – «إلا أن العمليات نفسها لا تزال غامضة وغير محدودة على نحو خطير». وقال أن «هذه النشاطات تدار عن طريق قيادة العمليات الخاصة المشتركة العليا (JSOC)، ووحدة عمليات القوات الخاصة التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية والتي يمكن أن تقوم بعملية انتشار للجنود دون الحصول على موافقة الكونغرس، فيما انحصرت المعارضة الشعبية وعلى نطاق أكثر ضعفا، في إطالة أمد حياتهم في الساحات متغاضية عن المشاهدات الخارجية».
ويضيف التقرير: «وبدلا من خوض حرب مباشرة، فإن استراتيجية الولايات المتحدة الحالية هي محاكاة استراتيجية تنظيم القاعدة عن طريق مضاعفة القوة للقوات المحلية».
وبصورة أكثر تعقيدا، يعتقد كاتب التقرير «أن السياسة الأميركية لا تحظى بشعبية من كلا الطرفين على حد سواء: الأوساط الثورية، والمنجذبين لنداءات القاعدة في جزيرة العرب في جنوب اليمن». ويستدرك قائلا: «وقد اعترف مساعدو هادي وحتى المسؤولين في الولايات المتحدة بذلك عبر تحوير حجة صالح نفسه: أن القاعدة في جزيرة العرب تتمدد ويجب وقفها بأي ثمن».
وبحسب استشهادات الكاتب، فإن تومي فيتور، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي لأوباما، جادل قائلا «في الوقت الذي ازدادت فيه القاعدة في جزيرة العرب قوة على مدى العام الماضي، إلا أن الكثير من مؤيديها هم إما من المسلحين القبليين أو المؤيدين لهم لبعض الوقت من الذين يتعاونون مع القاعدة في جزيرة العرب بسبب مصالح شخصية، أنانية، بدلا من التقارب (التماثل) مع الايديولوجية العالمية للقاعدة. وإن القسم المخلص، الأعضاء الملتزمين للقاعدة في جزيرة العرب هو جزء بسيط نسبيا».
ويربط التقرير بين تاريخ الرئيس السابق وسياسة أمريكا في اليمن باعتبارهما سببين مترافقين لتوسع وحضور القاعدة، قائلا «ناهيك عن أن سوء حكم صالح، وحملته القمعية على الثورة والعمليات العسكرية الامريكية أدى إلى تمكين القاعدة في جزيرة العرب للاستيلاء على مساحة كبيرة من الأراضي، والعديد من المدن ومخازن الأسلحة».
ويذهب التقرير للتأكيد على أن «اليمن لا تنزلق إلى منحدر فيتنام القاسي لأن عمليات الولايات المتحدة لا تحتاج إلى أن تصل إلى مثل تلك النهايات، ومع ذلك إلا أن العديد من الأخطار الصغيرة تشكل تهديدا مشابها نسبيا»، في الوقت الذي اعتبر فيه أن الأسلوب «الأخف» للحرب الذي تروج له إدارة أوباما ما زال يترك أثرا ثقيلا على الأرض وفي الهواء، بسبب تعهدات كلا من المسؤولين الاميركيين وقيادات القاعدة في جزيرة العرب على حد سواء بتصعيد حملاتهم فيما يوقعون اليمنيين في الفخ بوضعهم في المنتصف.
وهنا يشير الكاتب إلى أن عمليات الحكومة اليمنية أفضت إلى تشريد مئات الآلاف من الناس، مما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية الموجودة من قبل، في حين أن الضربات الجوية التي تنفذها الولايات المتحدة والحكومة تولد القدر نفسه من الارهاب الذي يولده وجود القاعدة في جزيرة العرب. حسب ما ذهب إليه التقرير.
وعلى هذا النحو، استشهد التقرير بالهجوم الذي تعرضت له قافلة من الجنود الامريكيين في الميناء الغربي من الحديدة، قبل أسبوعين، واسفر عن اصابة احد «خبراء مكافحة الارهاب» في الرقبة. وقال مسئولون حكوميون انهم (أي الجنود المستهدفون) كانوا يساعدون حرس السواحل اليمنيين، وليس لهم علاقة بمعركة الجيش في الجنوب، وادعوا أيضا بأنه «ليس هناك أمريكيين يقاتلون الى جانب اليمنيين».
ومع ذلك، يؤكد التقرير، «إلا ان هناك نحو 60 من أعضاء القوات الخاصة يديرون الهجوم في الجنوب من قاعدة العند الجوية الواقعة بالقرب من محافظة لحج».
كما ولفت التقرير إلى الاختطافات التي تعرض لها الأجانب في المدن الرئيسية ومنها العاصمة صنعاء، وكذا الهجوم الانتحاري الذي نفذ ضد جنود في ميدان السبعين في العاصمة، قرب القصر الرئاسي، في محاولة لنقل المعارك إلى خارج ابين التي من الواضح ان القوات الحكومية تحقق فيها تقدما ملحوظا وانتصارات ضد تنظيم القاعدة هناك. إلا أن التقرير مع ذلك، يرى «انه بالرغم من تلك الانتصارات، إلا أن استقرار اليمن بصورة دائمة سيكلف البلاد خسائر عالية إلى حد بعيد».
ويوصل التقرير لافتا إلى «ان الإجماع العام بين اليمنيين حذر إدارة أوباما لتجنيب تحول بلادهم إلى أفغانستان أو باكستان قادمة. في الوقت الذي يعتقد فيه الكثيرون أيضا أن الولايات المتحدة تفلت من العقاب على جرائم القتل التي تقوم بها في اليمن؛ بعد دعم نظام الرئيس صالح الفاسد، وما قامت به الدول الغربية ودول والخليج من تجميد لثورتهم وللكتل السياسية الأخرى من خلال اتفاق تقاسم السلطة الذي ترعاه الأمم المتحدة». كما وأشار بالقول «وقد اجتاحت شبكة الإنترنت انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، التي ارتكبت بعضها بمساعدة الأسلحة الأمريكية، وبعدها كنست تحت الدثار عن طريق بند الحصانة الذي منح لصالح».
ويؤكد الكاتب «أن غالبية اليمنيين يرفضون وجود تنظيم القاعدة، كما ان أولئك الذين ينضمون للمتشددين في الجنوب غالبا ما يقومون بذلك كنتيجة لاستيائهم ضد حكومتهم والضربات الجوية الامريكية».
وفي السياق ايضا، يضيف «اليمنيون بطبيعة الحال يرغبون بمحاربة القاعدة في جزيرة العرب وفقا لشروطهم والسبب أنهم وحدهم فقط من يتعرضون للقتل في حرب أميركا المكثفة»، مواصلا التأكيد «انهم يعارضون الاستخدام للطائرات بدون طيار بتفضيل الشراكات القبلية الحرة مع الحكومة، معتبرين هذه الآلية المؤسسية لحل الصراع بانها البديل المستدام لمكافحة الإرهاب الأمريكية».
وينتقل التقرير لعرض بعض أراء الناشطين والخبراء اليمنيين وغيرهم، مشيرا إلى أن الناشطة والخبيرة في القبلية، ندوى الدوسري – جونسون، «تعتبر نفسها من بين العديد من اليمنيين الذين يعتقدون أن هادي يمكن أن يضع مسافة سياسية كافية بين نظام الرئيس صالح من أجل بلوغ انتخابات رئاسية حرة ونزيهة في العام 2014 (عندما تنتهي الفترة الانتقالية بموجب اتفاقية الأمم المتحدة)». كما وينوه إلى أن الناشطة والخبيرة الدوسري تعتبر أيضا صديقة للحائزة على جائزة نوبل للسلام، توكل كرمان، التي علقت لتوها من الدوحة بأنها «لا يمكن أن تصدق بأن (الولايات المتحدة) لم تكن تعلم بعلاقة الرئيس صالح مع تنظيم القاعدة. والآن مع هادي، نحن واثقون من انه سيوقف تنظيم القاعدة».
ويحذر قائلا «وفي الوقت نفسه، يجب على إدارة أوباما أن تكون حذرة للغاية وأن لا تتعامل مع هادي باعتباره دمية أمريكية وتنفر الناس الذين تحتاج إليهم لاقتلاع القاعدة في جزيرة العرب». وبدلا من تضليل السماء بالطائرات بدون طيار، توصي جونسون بأن تعزيز الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي من شأنه أن يساعد المسلحين اليمنيين تسليحا جيدا والشبكة القبلية المنضبطة في القضاء على نفوذ تنظيم القاعدة: «إن فشل صانعي القرار في الغرب من التعرف على هذا، ومن العمل مع القبائل قيد الجهود الغربية في مقاومة تنظيم القاعدة».
ويشير التقرير إلى مقولة أحد أعضاء الجماعة الإرهابية بان «القاعدة في جزيرة العرب تخشى فقط ردود فعل القبائل»، طبقا لأحد الأعضاء الذين تحدثوا مع الصحفي غيث عبدالأحد، المتخصص بتغطية خطوط المواجهات الأمامية، منوها إلى أن «وواشنطن لا يمكن أن تكرار أخطائها في المناطق القبلية الباكستانية».
ويستطرد التقرير في نقد السياسية الأمريكية، قائلا «إن إدارة أوباما لديها استراتيجية لمكافحة الإرهاب في اليمن - هي ببساطة لا تحظى بالدعم، وغير اخلاقية وارتبطت بشكل سيئ بذهن الشعب اليمني والأمريكي». وتطمئن التصريحات الصحفية، الصادرة عن البيت الابيض، الثوريين المرتابين بأنه «ينبغي أن لا يكون هناك أي شك في ذهن أحد بأن الولايات المتحدة ملتزمة بالوقوف جنبا إلى جنب مع الشعب اليمني». فيما أن بيانات أخرى تطلق بمستوى أكثر جرأة في الوقت الراهن مفادها أنه تم تنصيب هادي مع معارضة أقل: «ان الولايات المتحدة تمتعت بتاريخ طويل ومثمر من التعاون مع المؤسسة العسكرية والأمنية اليمنية». معتبرا أن هذه التصريحات إنما «تنطوي صراحة على علاقة ودية ومثمرة مع نظام صالح الفاشل». وذلك من حيث أن تقرير وزارة الخارجية الأميركية السنوي الخاص بحالة حقوق الإنسان، في تلك الأثناء، خلا من التجاوزات (الانتهاكات) التي قامت بها وحدات الأمن الشخصية التابعة له، حتى دون الإشارة إلى تمويل الولايات المتحدة لهم».
ويختتم التقرير بالقول «ربما كان موظفو أوباما حريصون على الترويج له بكونه الدماغ المفكر للسياسة اليمنية لكون أميركا تغرق في صراع بدون تسلسل زمني ثابت أو فهم للبيئة. وكما قال أوباما «نحن لسنا في طريقنا إلى الحرب مع اليمن»، فيما يفترض انه كان يخبر البنتاغون والمسئولين التابعين لوكالة الاستخبارات المركزية في يناير/ كانون الثاني 2010، ومع ذلك، إلا أن حربا طويلة قد بدأت بالفعل.
الصورة للسفير الامريكي في صنعاء جيرالد فايرستاين (رويترز - تصوير محمد السياغي).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق