(سعداء بزيارتكم)

16 فبراير 2012

أيوب ... أنشودة الحياة وخاتم الألحان

بقلم/ جلال السامعي
نشر الخميس 15 إبريل-نيسان 2010 (مقال منشور سابقاً في ملحق فنون الجمهورية وموقع الجمهورية نت )


كثيرة هي المشاعر التي تتملك شغاف قلوبنا وتتأجج وهجا يضيء سماءنا مع كل حرف نكتبه عن أيوب أو عن محبيه الذين زرعوا حبهم لهذا الفنان في صميم أفئدتهم وبين نبضهم وتعاريج أوردتهم ،وأنشدوا أحلى المعاني ووجدوا الأنس والفن في صوته الذي أطرب به القلوب منذ بداياته التي كانت بمثابة جمرة أشعلها أيوب في مواقد أحلامنا ليضيء بها واقعنا الجاف والمرير وتتحقق أحلاما ظلت تراودنا ليصوغها أيوب بأنامله وأوتاره في قالب وحس فني خلق فينا هذا الإيقاع الموسيقي الجميل الذي جسده بصوته وألحانه وتقاسيم عوده. وبما أني أكتب عن أيوب فلابد أن أسرد لكم بعض المواقف التي كان فيها بطلا وكانت قلوب العاشقين مسرحا لأحداثها التي جسدت العلاقة الوجدانية والفنية التي تربط الجماهير المحبة بأيوب على امتداد كل ذرة من رمال الوطن ومدى إعجابهم وتأثرهم بهذا الفنان وان كنت واحدا منهم.
اتصل بي ذات ليلة صديقي العزيز زياد المحسن وعندما باشرت بالرد عليه إذا به يفتح صوت المسجل ويسمعني إحدى أغاني الفنان أيوب وكانت الأغنية “عليك وناقض لتلك العهود ... سلام من وافي عهوده “ فاستمعت لها من خلال الهاتف حتى أغلق المسجل وبعد التحية والسلام تحدثنا قليلا مع بعض فقلت له “ حقيقة يا صديقي وبعدما أسمعتني إياه لا أجد ما أقوله لك أمام صوت أيوب إلا أن أصمت “ وقبلها كنت قد أرسلت له ذات ليلة رسالة قصيرة تحمل كلمات تغنى بها أيوب في إحدى أغانيه وتقول “ ليس في أيام بعدي عنك إلا حسراتي ... إنها تأتي يتيمات كأيام وفاتي “ فعندما التقينا في اليوم التالي إذا به يحدث زملائي من حولي ويقول لهم “ إن هذا الإنسان يحمل في قلبه من المشاعر ما يجعلني ابكي “ فاستوقفته وقلت له كيف ذلك؟ وماذا تقصد؟ فقال “ عندما قرأت رسالتك ليلة أمس لم أجد ما يؤنسني غير زاوية من زوايا الغرفة ركنت بنفسي إليها لأبكي وأنا أقرأ رسالتك “.
ومن المواقف المؤثرة التي سمعتها والتي كان للفنان أيوب دور كبير فيها “ ذكر لي احد الأصدقاء وهو رجل أعمال ذهب في رحلة عمل إلى الصين قصته مع صديقه اليمني الذي كان برفقته هنالك فقال لي “ بينما كنا نتجول في أحد شوارع المدن الصينية إذا بصديقي يفتح صوت المسجل وإذا به صوت أيوب فلم اصدق أن أيوب يستمع إليه اليمنيون حتى في الصين قال فالتفت إليه لأساله عن سر هذا الإعجاب حتى وجدته يذرف الدموع ويبكي بصمت متأثرا بصوت أيوب فما كان مني إلا أن تأثرت وبكيت معه. انه أيوب الذي غنى في يوم ما:
تبكي معي أعماق روحي كلما أبكي عليك
وتردني الأشواق من عندك وترجع بي إليك
ما عاش بي حسي ولا نفسي أوت إلا لديك
وكثيرة هي المواقف التي تعزز مصداقية هذه المشاعر الفياضة تجاه الفنان المحبوب أيوب طارش أذكر لكم منها ما حصل لأحد الأصدقاء في إحدى قاعات الأعراس في مدينة تعز وكان أيوب حاضرا فيها بناء على دعوة وجهت إليه، لكن صديقي لم ينتبه ولم يعرف أن الذي جالس بجواره هو أيوب فتفاجئ حينها وما كان منه إلا أن قام وصاح بأعلى صوته    “ أيوب ..أيوب “ فضحك كل من في القاعة ومنهم أيوب على ما حصل.
موقف مضحك آخر تعود أحداثه إلى ثمانينيات القرن الماضي حينما سارعت إحدى النساء في إحدى المناطق لاقتناء ألبوم « العمر محسوب» لتفاجئ به زوجها حين عودته من السفر وتسمعه إياه ، فحين عاد زوجها وقبل أن يدخل البيت فتح لها صوت المسجل في السيارة وبصوت عال ليسمعها “ العمر محسوب “ فتفاجأت زوجته ولم تصدق انه سبقها في اقتناء نفس الألبوم الذي اشترته.
هذا التأثر الواضح والملموس الذي يخلده ويتركه صوت أيوب في قلوب كل المحبين والمستمعين في شتى بقاع اليمن لا يأتي بالصدفة ولا ينتهي بسماع الأغنية أو يمر بشكل عابر دون أن يترك في نفسك شيئا تجد نفسك بعده هائما فوق السحاب أو نائما تحت ظلال الورد أو على شرفة تطل من خلالها على جنة الحب حيث النهر والزهر وقطر الندى  ويجعلك تستهوي صوته وأداءه الفني المتميز وأغانيه التي توقظ الليل في عز السكون وتذوب أفئدة العاشقين حينما ترن نغمات عوده .
أيوب الذي صنع من المستحيل فناً وأي فن لقد أسس للأجيال مدرسة فنية رائدة في الأغنية اليمنية لحناً وأداء بشاعرية الفضول وغيره من الشعراء الذين كانوا بمثابة النصف الآخر لأيوب ولولاهم ما كان أيوب ولولا ألحان أيوب ما كانوا.
هذا الرجل الوطني لا ينبغي على احد أن يقلل من شأنه أو يستصغر مكانته وتاريخه الفني المشرق وروحه التي وهبها لليمن وضحى بوقته وعمره وصحته لأجل اليمن،كيف لا وهو من لحن النشيد الوطني للجمهورية اليمنية وألهب حماس الجماهير وغرس في نفوسهم حب الولاء للوطن والثورة والوحدة من خلال الكثير من الأعمال الوطنية التي قدمها والتي نتغنى بها ونرددها في مجالسنا ومناسباتنا وأعيادنا وأفراحنا وفي حلنا وترحالنا.
هاهو صوت أيوب يرافقنا في كل تفاصيل حياتنا يطرب قلوبنا وتتراقص على وقع أنغامه نفوسنا وتحلق في سماء أغانيه أرواحنا ، أيوب الإنسان النبيل بحجم أخلاقه وحبه الكبير لهذا الوطن أرضا وإنسانا قبل أن يكون الفنان المبدع الذي ملأ حياتنا حبا وفنا وأضاف إليها رونقا جماليا بصوته وأدائه وألحانه التي تشق القلوب وتشعل الدماء في العروق ، أيوب الذي خطته أنامله وصاغته أوتار عوده لحنا وسطورا بيضاء على صفحات قلوبنا.
إلى أيوب :
ما قيمة الأيام بعد هواك تنقص أو تزيد
فلقد أردتُ وكنتَ لي في العمر آخر ما أريد
ستظل موسيني ومشجيني ومبكيني الوحيد
ويعيش خلفك من وراء الريح إحساسي شريد.
Galal.drhm@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق